معاناة الطربوش
معاناة الطربوش كما وصفها الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في ذكرياته:
“إننا نشأنا على لبس الطرابيش، لا يجوز لنا أن نضعها عن رؤوسنا.
وإن دخل الواحد منا على أستاذ الصف (أي الفصل) أو مدير المدرسة.
أو قابل من يجب عليه توقيره، وهو حاسر الرأس، يرتكب ذنباً يستوجب العقوبة، أو يستحق عليه اللوم.
وأحسب الطربوش من أسوأ ما يغطى به الرأس. فهو لا يحجب الشمس عن العيون في الصيف. ولا يدرأ المطر في الشتاء. وإن أصابه الماء فسد. وإن. اختصم اثنان من التلاميذ فضرب طربوش أحدهما تكسر القش الذي يبطن به. وإن أمسك أحدهما بطرّته فقطعها لم يستطع أن يمشي حتى يشتري بدلاً عنها.
ثم إنه لا يمكن طيّه، لذلك كنا نتخذ له في السفر علبة يحفظ فيها، تملأ ربع الحقيبة. وكان يفسده العرق في الحر، فيركب أطرافه من الوسخ مثل الزفت. ولا بد من كيّه، فكان الناس ليلة العيد يزدحمون على الكوّاء مثل ازدحامهم على الحلاق. والكوّاء عنده قوالب من النحاس مختلفة الأحجام. يلبس الطربوش القالب الذي يناسبه ثم يلبس القالب والطربوش قالباً أكبر منه وتكون النار موقدة تحته. وعنده مكبس يكبس به القالبين معاً والطربوش بينهما فيخرج مكويّاً. ولطالما أخطأ الكوّاء فكبّر الطربوش ووسّعه أو ضيّقه وصغّره فيعود إلى كيّه لإصلاحه.
ومن الطرائف، أن أستاذنا فارس الخوري كان له رأس من أكبر ما عرف من الرؤوس. وكان من مزاياه أنه كان حاضر الجواب. ذهب مرة إلى كوّاء ليكوي طربوشه فطلب أجراً يزيد على المعروف، قال: ولم الزيادة؟ قال: لأنك لن تجد عند غيري مثل هذا القالب؟ فقال له فارس بك: وأنت لن تجد عند أحد غيري مثل هذا الرأس”.
اقرأ أيضاً: