حكايات ومواقفشخصياتعسكريونقطوف من الكتب

العقيد محمد معروف وورقة اليانصيب


العقيد محمد معروف وورقة اليانصيب
تعدّ مذكرات العقيد محمد معروف من أهم ما كتبه رجال الحكم في سورية من مذكرات. وذلك لسبب بسيط وواضح وهو صدق لهجته وإنصافه لخصومه ولومه الشديد لنفسه ولخياراته التي كانت دائماً خاطئة.

كان محمد معروف أحد المشاركين في انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم، وكان قائداً للشرطة العسكرية في سورية قبل أن يختلف مع الشيشكلي ويسجن بعد انقلابه على الحناوي لأشهر، ثم يسرح من الجيش ويبعد قسرياً إلى لبنان ويمنع من العودة إلى سورية.

حكاية ورقة اليانصيب

يحكي العقيد محمد معروف ظروفه المعيشية بالغة الصعوبة أوائل الخمسينات في بيروت، وكيف غيرت حادثة طريفة غير متوقعه هذه الظروف:
“كانت هذه المرحلة من أصعب الأيام التي مررت بها في حياتي، صرت وحيداً، كان يصلني من الأهل ما يقارب المائتي ليرة سورية شهرياً، وقدم لي أحد السوريين الأكارم (محمد فرحات) منزلاً في محلة البسطة، ثم غادرته إلى غرفة متواضعة جداً في المريسة، وانقطعت صلتي بالعراق وبرفاقي هناك.

ذات يوم، وفيما أنا بانتظار الراتب الأهلي وقدره مائتا ليرة سورية، وقد تأخر أياماً عن الوصول، لبست ثيابي وذهبت إلى أقرب دكان يمكنني الاتصال منه بالشخص الذي يؤمن لي المبلغ، قيل لي إنه في الجبل ولن يعود قبل أيام، كان معي خمس ليرات ونصف ليرة سورية، دفعت نصف ليرة ثمن المخابرة، ودفعت الباقي ثمناً لنصف ورقة اليانصيب التي كانت معلقة على واجهة المحل، وقررت أن لا أغادر المنزل حتى وصول المبلغ، كان بجوار منزلي لحام علوي من أنطاكية يعرفني، فيقدم لي ما أطلبه من اللحوم والحمص دون الاستعجال بالدفع.

المفاجأة

كان بائعو اليانصيب ينادون على نتائج اليانصيب. وكانت المحلات في البرج تعلق النتائج بأرقام بارزة. لفت نظري أن الرقم الأخير من الجائزة الكبرى هو “58”. وهو الرقم نفسه الذي تنتهي به الورقة التي أحملها. أخرجت البطاقة من جيبي وتأكدت من الرقمين الأخيرين من جديد. كانا مطابقين للرقم المعروض وكان الرقم الأول (واحد) مطابقاً لرقمي والرقم الثاني (7) وهو مطابق أيضاً. يا إلهي!
وضعت إصبعي على الرقم الأوسط. وأخذت أمزمزه شيئاً فشيئاً مثل لا عب البوكر وإذا به الرقم (4) المطابق لرقم بطاقتي.

أعدت القراءة أكثر من مرة 1/7/4/5/8 فلا داعي للغلط، جلت على جميع المخازن التي تعلق النتائج خوفاً من أن يكون هناك خطأ ما، وعندما تأكدت من صحة النتيجة وضعت الورقة في جيب سترتي الداخلي وأخذت أضغط عليها كما لو أن جميع الناس يريدون أخذها مني، وأعتذر عن الاستطراد في هذه الحادثة، فقد كانت حالتي المادية أحوج ما تكون إلى هذه الهدية القدرية، كانت الجائزة الكبرى (50) ألف ليرة لبنانية، وكان نصيبي منها النصف، وهي قيمة كافية لشراء أفخم شقة في بيروت”.

أيام عشتها – محمد معروف – ص193

زر الذهاب إلى الأعلى