كيف بقي حافظ الأسد على رأس المؤسسة العسكرية رغم مسؤوليته عن سقوط الجولان
كيف بقي حافظ الأسد على رأس المؤسسة العسكرية رغم مسؤوليته عن سقوط الجولان
بعد هزيمة حزيران وسقوط الجولان حدث نقاش على مستوى القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في سورية لتحديد المسؤولية عن هذه الهزيمة. وكان النقاش حول بقاء القيادة العسكرية (حافظ الأسد وزير الدفاع، وأحمد سويداني رئيس الأركان) أو تبديلها.
تفاصيل هذه النقاشات وردت في كتاب البعث وثورة آذار لمروان حبش الوزير البعثي وعضو القيادة القطرية للبعث:
تقييم نتائج الحرب على الجبهة السورية
“عقدت قيادة الحزب، في منتصف حزيران، اجتماعاً في مبنى القصر الجمهوري. وبعد تقییم أولي لما آلت إليه نتيجة الحرب، طرحت وجهات نظر متعددة، ومنها وجهة نظر الدكتور نور الدين، وشاركه فيها بعض أعضاء القيادة، بضرورة الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لجميع القوى والشخصيات السياسية للتداول في أسس المواجهة وتحرير الأرض، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وبعد نقاشات طويلة وعاصفة جداً، حتى وصل الأمر إلى حد التلاسن بين بعض أعضاء القيادة، وخاصة مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، أقرت القيادة أن الهزيمة يجب أن يتحملها الحزب، وأن يتحمل مسؤولياته في إزالة آثار العدوان.
وفي منتصف شهر تموز، قدمت قيادة الجيش إلى قيادة الحزب تقريراً تقييمياً للحرب. وقد بيّن التقرير سير المعارك والأخطاء والخسائر البشرية والمادية. وبعد مناقشة مطولة للتقرير، اتخذت القيادة عدداً من القرارات، انطلاقاً من أن إستراتيجية الوضع الراهن انتقلت إلى العدو المحتل، إذ اعتبر العدو خطوط وقف إطلاق النار الجديدة خطوطاً جغرافية تحقق له العمق الإستراتيجي الدفاعي الذي كان يطمع به ، وتجعله في غير عجلة من أمره لحين أن تقبل الدول العربية السلام ” الإسرائيلي” الذي يوفر له وضعة مهيمنة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويضمن دفن القضية الفلسطينية. لذا فإن الإستراتيجية الجديدة هي إستراتيجية هجومية، وهي الخيار الوحيد المطروح أمام القيادة السياسية والعسكرية.
وتقرر أن تركز التوجهات السياسية والعسكرية للمرحلة الجديدة على :
– ضرورة الصمود العسكري بسرعة في مواجهة العدو.
– العمل بسرعة على إعادة التماسك في القوات المسلحة والتركيز على الحرفية العسكرية، وخاصة للضباط والقادة العسكريين.
– الحصول على السلاح الحديث والمتطور من الاتحاد السوفييتي، والدول الصديقة.
تغيير قيادة الجيش مطروح على التصويت:
واستمراراً في مناقشة التقرير العسكري طُرح في جلسة خاصة موضوع تغيير قيادة الجيش. واشترك كل أعضاء قيادة الحزب في مناقشة هذا الاقتراح. وتبلورت المناقشة في ثلاثة اتجاهات، وكل اتجاه مثّله عدد من الأعضاء:
– اتجاه عبّر عنه الأمين العام المساعد صلاح جديد، ومفاده: أن الضرورة والقاعدة تقتضيان تغيير قيادة الجيش، إن هي هزمت، أو هي انتصرت في الحرب. فإن هي هزمت قستفقد ثقة الجيش بها، لأن العسكري يخشى القتال بإمرة قائد مهزوم. وإن هي انتصرت فستطغى على القيادة السياسية في بلادها وتصبح مرکز قوة. وضرب جوکوف کمثل على ذلك الطغيان.
أما الاتجاه الثاني، فكان يرى أن قيادة الجيش غير كفؤة، وبالتالي يجب تبديلها.
بينما الاتجاه الثالث -وكان عبد الكريم الجندي من أبرز رموزه- دافع عن ضرورة بقاء قيادة الجيش، منطلقاً من أنه لا يجوز أن يتحمل رفيقانا وحدهما نتائج الهزيمة.
ولما طُرح اقتراح التغيير على التصويت، حسم بأكثرية صوت واحد لصالح بقاء قيادة الجيش.
وتم تقييم نتيجة الحرب وسير المعارك من قبل القيادات العسكرية المتخصصة، وحددت المسؤوليات، وأحيل المتخاذلون إلى القضاء. وبسبب الصراع الذي بدأ يتضح في قيادة الحزب، لم تجر كحاكمة هؤلاء لينالوا عقابهم. بل إن بعضهم لقي الحماية وأصبح من المقرّبين”.
من كتاب: (البعث وثورة آذار) – مروان حبش
أما مجرى الأحداث بعد ذلك فهو كالتالي:
بعد تلك المداولات، وفي شباط عام 1968، قدم رئيس الأركان أحمد سويداني مذكرة يحمّل فيها وزير الدفاع حافظ الأسد مسؤولية ما جرى في حزيران. واقترح إقالة الأسد أو قبول استقالته هو. ولكن الذي حدث هو قبول استقالته وتعيينه مديراً لمكتب الشبيبة والرياضة في الحزب، وحل مكانه في رئاسة الأركان العقيد مصطفى طلاس الذي رقّي إلى رتبة لواء.
أما حافظ الأسد فقد رقّي إلى رتبة فريق.
وكان مصير سويداني الاعتقال عام 1969 عندما توقفت الطائرة التي تقلّه في رحلته من بغداد إلى القاهرة في دمشق للتزود بالوقود، ليقضي ربع قرن في السجن قبل أن يفرج عنه عام 1994 ليتوفى بعد مدة قصيرة من نفس العام.
اقرأ أيضاً: