محاولة اغتيال حافظ الأسد عام 1980 – عندما نجا الأسد بتضحية مرافقه الفلسطيني
يروي فاروق الشرع شهادته عن محاولة اغتيال حافظ الأسد في 26 حزيران عام 1980 عندما كان وزير دولة للشؤون الخارجية.
نجا الأسد من محاولة الاغتيال بعد أن ألقيت على موكبه قنبلتان ركل الأولى بقدمه، بينما رمى بجسده على القنبلة الثانية مرافقُه الخاص خالد الحسين (وهو فلسطيني من سكان مخيم اليرموك تعود أصوله إلى قرية عين غزال في قضاء حيفا بفلسطين)
شهادة الشرع التي وردت في كتابه (الرواية المفقودة) لا تتطرق إلى رد الفعل الانتقامي الذي مارسته السلطة الحاكمة، والذي تمثل في تنفيذ مجزرة سجن تدمر الرهيبة في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال.
أدت المجزرة التي أشرف عليها الرائد معين ناصيف قائد اللواء 40 في سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد إلى مقتل المئات من السجناء الذين قتلوا في زنازينهم على يد عناصر سرايا الدفاع.
يقول فاروق االشرع:
محاولة اغتيال الرئيس الأسد
“في 24 حزيران/ يونيو 1980 زار الرئيس النيجري حسين كونتشي سورية، تلبية لدعوة كنت قد وجهتها له لزيارة دمشق أثناء جولتي الأفريقية.
وكان الرئيس كونتشي مسلماً من أعماق القارة الأفريقية، شديدَ الارتباط برموز الإسلام الكبرى. كان إلحاحه كبيراً علينا في أن يزور مقام الصحابي بلال الحبشي مؤذن الرسول في دمشق. وكانت دهشتنا كبيرة لسماع أن هذا المقام موجود في دمشق، فلم نكن قد عرفنا بوجود ضريحه هنا من قبل. وأخيراً اهتدينا إليه مركوناً على أطراف دمشق.
ومما لا شك فيه أنه كان من نوع المقامات الرمزية وليس من نوع مقامات الأضرحة المعدة للزوار. وقف الرئيس النيجري بخشوع أمام الضريح المتداعي، ورفع يديه ليقرأ الفاتحة. كان منغمساً في حالة انخطاف صوفي، إذ كانت زيارة الضريح بالنسبة إليه بمنزلة انتقال إلى مكان مقدس. ولذلك، ولأسباب شبيهة أخرى، أطلقوا على هذه البلاد “شام شريف” من أندونيسيا إلى النيجر.
عند انتهاء زيارة الرئيس النيجري في 26 حزيران/ يونيو 1980 كنت إلى جانبه في انتظار قدوم الرئيس الأسد لاصطحابه من قصر الضيافة إلى المطار. وكان هذا القصر بسيطاً وليس فيه أي علامة مهابة خاصة باستثناء ارتباطه باستضافة جمال عبد الناصر أيام الوحدة السورية – المصرية. وكانت حراسة القصر مؤلفة من مفارز بسيطة تتناوب عليها دورياً عناصر قليلة من الشرطة العسكرية، إذ لم يكن لدى الرئيس الأسد حتى ذلك الوقت أي موكب مرافقة مهمة أو حراسة خاصة.
وفجأة
فجأةً ونحن نودّع الرئيس النيجري على الدرج الضيق الخاص أمام قصر الضيافة وقع الانفجار. أبعد الرئيس الأسد بشكل عفوي القنبلة الأولى بقدمه، بينما ارتمى مرافق الرئيس الخاص اللواء خالد الحسين بجسده على القنبلة الثانية.
أصيب الرئيس للتو بخدوشٍ جارحةٍ في ساقيه وصدره، بينما كان جسد الحسين مخردقاً بكامله. وبطبيعة الحال كان الإسعاف إلى المشفى القريب هو الحل.
في مثل هذه اللحظات المصيرية التي فيها حياة أو موت تتدافع الأسئلة والأفكار بأسرع من البرق. تذكرت على طريقة التداعي الفوري حادثة عبد الناصر وهو يتلقى الرصاص بصدره عام 1954 في القاهرة. كان الأمر مختلفاً، لكنّ فيه وجهاً للشبه.
كان هذا الحدث الصغير-الكبير قد رسم عندي صورةً عظيمةً لعبد الناصر وأنا في الثانوية في درعا، كان الأسد يشبه في المشهد الثاني عبد الناصر في رباطة الجأش، وكانت خدوشه مؤلمةً جداً غير أنها لم تكن عميقة بحيث تفقده السيطرة على زمام الموقف.
وكان المجرمون كما بدا لي واثقين من أنفسهم، فلقد فرّوا ببساطة من مفرزة الحراسة في القصر، واختفوا في اتجاه الأزقّة المجاورة لساحة النجمة.
جاءت دوريات جهاز الأمن العسكري بسرعةٍ، وجابت كامل المنطقة المحيطة من دون العثور على شيء. كانت القنابل بدائيةً، ومن النوع التدريبي الذي لا يقتل بل يترك خدوشًا عديدةً.
لماذا لم يستخدموا قنابل فتاكة في حال أن قصدهم كان هو القتل؟ وكان ذلك في متناولهم.
هل كانت قنابلهم إلى الرئيس رسالة خلاصتها: نستطيع أن نقتلك إذا ما أردنا؟ أم كانت عملية استخدام هذه القنابل لإيقاع الفوضى والاضطراب والمضي في خطة أشمل؟
في تقديري كان التسلل إلى مفرزة حرس قصر الضيافة قد تمّ تسهيله من منافذ المؤتمنين على هذه الحراسة. هذا في الواقع اختراق خطير في جسم الدولة كان لا بد من التحقيق فيه لكن أجهزة الأمن فضلت تقفي أثر الفاعلين ولم تعتدْ على تشكيل لجان تحقيق”.
الرواية المفقودة – ص62
اقرأ أيضاً
توريث بشار الأسد