محطات تاريخية

فيصل الأتاسي: هل أذهب إلى حمص لإحضار عمّي؟

صبيحة إعدام الزعيم، منفذو الانقلاب لا يبالون بمن سيستلم الحكم من المدنيين.

تفاصيل الساعة الأخيرة من حياة حسني الزعيم ورئيس وزرائه كما وردت في مذكرات المقدم حسين الحكيم أحد المشاركين في انقلاب سامي الحنّاوي.

يقول حسين الحكيم:

“طلب سامي الحناوي أن يذهب بعضنا لإعلامه ما آل إليه مصير حسني الزعيم. ووقع الاختيار على عصام مريود وعبد الغني دهمان وأنا. أخذنا سيارة جيب وانطلقنا إلى مطار المزة، ولاحظت أن صبياً لا يتجاوز عمره السنوات العشر بجانب عبد الغني. قلت له: هو ابنك؟ قال: إنه ابن محسن البرازي. ولكن لماذا أتيت به؟ قال: وجدته في سيارة الجيب ويصرّ على أن يرى أباه. ولم يكن محسن البرازي هدفاً لأي منّا.

قبل وصولنا إلى مطار المزة رأينا بقعة سوداء بعيدة عن الطريق شرقاً أي قرب قرية داريا. أدرنا السيارة باتجاه تلك البقعة. وعلى نور مصابيحها رأينا دبابة مطوقة بالجنود، ثم رأينا واحداً منهم يركض باتجاهنا. علمنا من ذلك الرقيب أن فضل الله أبو منصور يحتجز في الدبابة حسني الزعيم ومحسن البرازي، وينتظر تعليمات الزعيم الحناوي. نزلنا من السيارة، وقلنا له: اذهب إلى فضل الله وقل له أن يأتي إلينا مع جماعته إلى منتصف الفسحة، التعليمات معنا. وتركنا الصبي برعاية السائق. إلى تلك البقعة أنزل فضل الله المعتقلَين الاثنين من الدبابة واقتادهما أمامنا، وأمر جنوده بالتراصف”.

الإعدام

“كان الزعيم بلباس النوم (البيجاما) وكذلك كان البرازي، أما الزعيم حسني فكان يرتدي أيضاً السترة العسكرية المعروفة بـ (ترواكار). قال أبو منصور هي لي لتقيه من البرد. وقد منع الظلام الزعيم التعرف علينا، وكان الوقت قبل الصبح، واتجه نحونا وقال: من رئيسكم؟ ولم يتلقّ من أحدنا جواباً. أما البرازي فكان يرتجف من البرد والخوف وقد التصق بحسني الزعيم متباكياً. كلّمه الزعيم بالفرنسية:
“n’ayez pas peur, ils ne peuvent rien faire”
“لا تخف، إنهم لن يستطيعوا فعل أي شيء”.


تلك كانت الجملة الوحيدة التي قالها قبل موته. وكل ما ورد من أقوال أخرى كانت من نسج خيال الكاتب. وكررها لكن ذلك المسكين ظل ملتصقاً به لا يفترق عنه ثانية واحدة. وأعتقد أن ذلك كان سبباً في مقتله، مكرراً قولي إنه لم يكن أي واحد منا يقصده. وكان حزني عميقاً على ابنه الذي كان في سيارتنا. سمعنا ضجة دراجة نارية وقفت خلف سيارتنا، وجاء منها رقيب يحمل مظروفاً سلّمه إلى فضل الله أبو منصور الذي طلب منا الرجوع إلى الوراء، وأمر جنوده بإطلاق النار. وسقط الاثنان كتلة من اللحم والدماء والرصاص. وعدنا إلى سيارتنا فوراً، وإلى الأركان حيث شاهدنا عدداً كبيراً من الضباط والزعماء السياسيين. وسأل سامي الحناوي عصام مريود: ماذا جرى؟ أجابه: قضي الأمر”.

الحنّاوي بين رفض إعدام الزعيم والرضا به

“ولا بد أن أذكر للحقيقة أن سامي الحنّاوي كان قد أوصانا قبل مغادرتنا أن لا نتعرض بالأذى لحسني الزعيم وأن نكتفي بسجنه. ولكني علمت بأن بعض الضباط والسياسيين وفي مقدمتهم أكرم الحوراني عارضوه بعد مغادرتنا وأقنعوه بأن الإبقاء عليه حياً يعرّض الانقلاب برمّته إلى خطر جسيم. وربما يؤدي ذلك إلى انقسام الجيش واقتتال الضباط فيما بينهم.

قال فيصل الأتاسي بلهجته الحمصية: هل أذهب إلى حمص لإحضار عمّي؟ – هاشم الأتاسي- قالوا له: اذهب. وكأن ذلك لا يعنيهم ولا شأن لهم به”.

حسين الحكيم – لعنة الانقلابات – ص79

الصورة لحسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي

اقرأ أيضاً: الانقلاب على الشيشكلي وأوهام عودة “الحياة الدستورية”

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى