الرد على الشيشكلي في مداولات الكنيست
في كانون الثاني 1954، كان الشاب البعثي منصور الأطرش (ابن سلطان الأطرش) يحمل حقيبة تحتوي على مناشير سياسية أصدرها حزب البعث. وهي تحرّض على حكم الرئيس أديب الشيشكلي. وكان الأطرش متجهاً إلى كراج الجبل في محلة الدرويشية بدمشق. انشغل منصور الأطرش بزيارة أحد أقاربه في دمشق. ولكنّه عاد ولم يجد السيارة ولا الحقيبة. بعد ذلك، استقلّ السيارة التالية، وأوقفته دورية للشرطة عند مدخل مدينة السويداء، فاعترف منصور أنه صاحب الحقيبة.
(وكان منصور الأطرش قد اعتقل من قبل لأنه رمى قنبلة صوتية على منزل الرئيس الرئيس الشيشكلي. وأطلق سراحه بعد أيام).
ونتيجة لذلك، قامت المظاهرات في السويداء احتجاجاً على اعتقال منصور الأطرش، فهاجم المتظاهرون مخافر الشرطة، وقتلوا اثنين من الجنود وجرحوا وأسروا العديد منهم. بعد ذلك، أمر شوكت شقير رئيس الأركان العامة بإرسال حملة عسكرية بقيادة رسمي القدسي للتصدي للتمرد.
ويذكر مصطفى رام حمداني رئيس الشعبة الثانية في ذلك الوقت أن قائد الحملة العسكرية على الجبل رسمي القدسي تصرّف دون الرجوع إلى القيادة، كما ينقل أن المسؤولية المباشرة في ما جرى في الجبل تقع -برأيه- على شوكت شقير ورسمي القدسي.
التمرد المسلّح جزء من خطة المعارضة
كان التمرد في السويداء أحد خطط التحرك التي وضعتها المعارضة، فقد اجتمعت أحزاب وشخصيات المعارضة في منزل النائب الحمصي عبد الله فركوح في الرابع من تموز عام 1953. وذلك بعد أيام من تسلّم الشيشكلي لمهام الرئاسة، وكان الاجتماع بعلم الشيشكلي وموافقته. وقد انبثق عن الاجتماع “ميثاق وطني” أعلن رفضه للحكم القائم. كما أعلن عدم اعترافه به وأن كل ما يصدر عن العهد الجديد غير ملزم للبلاد.
بعد ذلك، وفي أيلول 1953، بدأ تحرك المعارضة بالتنسيق مع الحكم الهاشمي في العراق وطلب الدعم بالمال والسلاح، وذلك من خلال اتصال الرئيس المستقيل هاشم الأتاسي ورئيس وزرائه المكلّف معروف الدواليبي بالأمير عبد الإله الوصي على العرش في العراق، وطلب الإمداد بالمال والسلاح لدعم التمرد الذي كان مقرراً أن يبدأ من الجبل، والذي كان اعتقال منصور الأطرش شرارته.
دروز إسرائيل يتحرّكون
كان دروز إسرائيل يتابعون الأحداث، ويدرسون سبل التحرك لنجدة “إخوانهم” في سورية، لذلك، وفي الأول من شهر شباط عام 1954، قدم الشيخ جبر داهش معدّي عضو الكنيست الإسرائيلي اقتراحاً عاجلاً لجدول الأعمال جاء فيه.
” حضرة الرئيس. الكنيست الموقرة.
نُشرت في الإذاعات والصحف أخبار مفادها أن الطاغية السوري أديب الشيشكلي، اعتقل عدداً من الزعماء السوريين، وبينهم الزعيم الدرزي الكبير عطوفة سلطان باشا الأطرش، وقد أدى هذا الخبر إلى ارتجاج في الطائفة الدرزية في البلاد وخارجها، وعلمنا كذلك أن الجيش السوري وطائراته ألقوا بالقذائف على القرى الدرزية بدون رحمة، وقد زاد هذا من قلقنا.
إن اعتقال عطوفة الزعيم سلطان، هو مس بشرفه، وهذا العمل يمس بكل درزي أينما كان، بسبب الحب والتقدير الذي يكنه الدروز لهذا الشخص العظيم. حقاً نحن دروز إسرائيليون، لكن تربطنا علاقات وثيقة دينية وتقليدية مع الدروز في سورية، وخاصة مع الزعيم الكبير، الذي يعتبر في نظرنا عنواناً مبجلاً لكل الدروز في الشرق.
لذلك، وعلى ضوء الأخبار التي تصل إلينا من كافة المصادر، نحن نندّد بكل شدة بكل الأعمال الوحشية التي نفذت، بناء على أوامر الطاغية السوري ضد الدروز في سورية، وإني أعلن من فوق هذه المنصة، أن الدروز الإسرائيليين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا التعدي، ونحن نعلن في هذا البيت عن احتجاجنا الشديد. ونطلب إجراء بحث مستعجل في هذا الموضوع، ونطلب كذلك من البيت أن يلقي على الحكومة أن تجري تحقيقاً في الموضوع الذي نخاف أن يكون له تأثير كبير على مصير الدروز في سورية”.
الموقف الإسرائيلي الرسمي
وجاء موقف الحكومة الإسرائيلية في مداخلة وزير الخارجية موشيه شاريت في الكنيست.
“سيدي الرئيس، الكنيست المحترمة:
إنني متأكد أن الكنيست بأجمعها أصغت باهتمام شديد وبتأييد عميق لأقوال عضو الكنيست المحترم ابن الطائفة الدرزية. إن حكومة إسرائيل تراقب باهتمام الأحداث في جارتنا سورية، هذه الدولة التي تنتهج حتى اليوم معاملة سيئة وكراهية لإسرائيل. وذلك من خلال الحكم المتبع فيها اليوم. وأنا متأكد أن هذا هو شعور جميع أبناء الشعب الإسرائيلي. الذي يراقب بحنو ما يجري اليوم في جبل الدروز.
وهو قلق لمصير الشعب الدرزي في سورية. إننا نحب الشعب الدرزي لأنه يتوق للحرية، ولأنه أظهر قوة فائقة ليحافظ على ميزاته الدينية والقومية. ونحن شركاء للشعور بالقلق والحيرة الذي ينتاب الطائفة الدرزية في إسرائيل. هذه الطائفة التي نحترمها جداً. ونقدر انتسابها لدولتنا. ونعتز بإخلاصها لنا، في أوقات الضيق.
من اللائق أن أكون أكثر حذراً من الشيخ جبر في التعبير عن قلقي، لذلك أقترح تحويل الموضوع للبحث في لجنة الخارجية والأمن، وكلي أمل أن يدعم الشيخ جبر هذا الافتراح”.
الانقلاب على الشيشكلي
بعد أيام، وقبل نهاية شهر شباط 1954 سيقوم العقيد فيصل الأتاسي – ابن أخي الرئيس هاشم- والنقيب مصطفى حمدون بعمل انقلاب من موقع حلب. سيستجيب الرئيس أديب الشيشكلي للانقلاب ويقدّم استقالته ويغادر البلاد “حقناً للدماء وحرصاً على وحدة الجيش” كما جاء في نص استقالته.
الصورة لجبر معدّي مع موشي دايان في بلدة عرابة في الجليل الأسفل.
مراجع المقال
الجيل المدان – منصور الأطرش.
مذكرات معروف الدواليبي.
أيام عشتها – محمد معروف.
مذكرات مصطفى رام حمداني.
مذكرات موشيه شاريت.
مقابلة بتاريخ 13 آب عام 1989 مع عدنان حمدون. وهو ضابط بعثي وسفير سوري سابق. وهو شقيق مصطفى حمدون الذي أذاع بيان الانقلاب على الشيشكلي من موقع حلب. وكان آمر فصيلة في السويداء أثناء أحداث الجبل مطلع العام 1954.