صحافة زمانمحطات تاريخية

إعدام سلمان المرشد – الساعة الأخيرة من حياة “الرب” الذي كان يُخيف الناس

إعدام سلمان المرشد
تقرير مفصّل عن تنفيذ حكم الإعدام بسلمان المرشد صبيحة يوم الإثنين 16 كانون الأول 1946 كما جاء في جريدة “ألف باء الدمشقية”

“الربّ” الذي كان يخيف الناس يُشنق بين شقيّين من أتباعه

أقوال المرشد الأخيرة ووصيته – دفن الجثث في جبل الصالحية – رفض طلبه بأن يُعدم بالرصاص


في الساعة ۱۱ قبل منتصف ليل الأحد وقّع فخامة رئيس الجمهورية المرسوم رقم 1158 والمؤرخ في 18 محرم الحرام الموافق 14 كانون الأول 1946. وظل هذا المرسوم مكتوماً عن رجال الصحافة وعن غيرهم من رجال الإدارة والقضاء الذين لا علاقة لهم بالتنفيذ.

نقل المحكومين لدمشق

وصدرت الأوامر إلى من يعنيهم الأمر بمحافظة العلويين بإرسال سلمان المرشد وعلي سلمان سعيد وحسن طراف إلى تلكلخ، على أن يستلمهم قائد الدرك العام الزعيم هرانت (مالويان) ومفرزة مؤلفة من عشرة رجال درك. وقد نفّذ درك اللاذقية الأمر بدقّة. وقيل لسلمان لما أخرج من سجنه في اللاذقية أنه سيُنقل إلى دمشق، وقد يكون لهذا النقل علاقة بإجراءات تتخذ لتخفيف حكم الإعدام عنه، فاطماًن سلمان وحمل حقيبة ثيابه معه، وامتطى السيارة معه المحكومان بالإعدام و13 من المحكومين بسجن الأشغال.

وفي تلكلخ نقل المجرمون الثلاثة إلى السيارة رقم 1506غ فسارت بهم بسرعة تحرسها مصفحة، ووصلت دمشق في الساعة الرابعة والنصف تماماً صباح أمس الاثنين، حيث وقفت أمام مديرية الشرطة، فأدخل سلمان إلى غرفة مفوض المركز، والآخران إلى غرفة مفوض الدائرة، وحُلّت قيودهم، ونقل الـ 13 من المحكومين إلى سجن القلعة.

تهيئة حبل المشنقة

وكان رجال الدرك في دمشق يعدّون حبل المشنقة، وهو من ليف متين مشحم. وكان “أبو جعفر” المختص بإعدام الجناة يسامر رفاقه في أحد نوادي المدينة ولا يعلم من الأمر شيئاً. ولما هُمس في أذنه عن المهمة التي دُعي لتنفيذها في الصباح الباكر لم يستطع أن يكتم سروره.

وفي الساعة الثالثة والنصف تماماً كانت المشنقة قد نُصبت في مكانها المعتاد بين قصر العدلية وبين النصب التذكاري في ساحة الشهداء.

الوزراء في دار الشرطة

وكان في الساعة الثالثة قد جاء إلى دائرة الشرطة دولة رئيس الوزراء بالوكالة وزير العدلية والاقتصاد وصاحبا المعالي صبري العسلي وزير الداخلية وميخائيل ليان وزير الأشغال، وجلسوا في غرفة المدير.

المرشد تنهار قواه

أما سلمان المرشد، فبعد أن رأى نفسه وحيداً في غرفة مفوض المركز، وشعر بحركة غير عادية في الدائرة تحول عنده الشك إلى يقين، وأدرك أنه لا بد وأن يعدم في الصباح الباكر، فانهارت قواه وطلب ماء للشرب. ولما جيء له بالماء غصّ به ولم يستطع أن يبتلعه. ثم حاول أن يلفّ سيكارة فلم يتمكن، فجيء له بسيكارة مشعلة رفعها إلى فمه فسقطت.

نهاية كلّ حيّ

واستُدعيَ الشيخ علي سعيد من شيوخ العلويين ليقدم نصائحه لمحكومين بالإعدام، وليسمع وصاياهم. ولما دخل على سلمان علت وجه المرشد صفرة الموت، ولم يتمالك قواه، فقال له الشيخ علي: الموت لا بد منه، إن لم يكن اليوم فغداَ، وكلٌّ منّا ملاقٍ وجه ربّه، فتشجع وتوكل على الله. ثم لقّنه كلمة الشهادة فرددها سلمان مراراً وهو يقول: اللهم توفّني مسلماً.

المرشد يملي وصيّته ويوقعها

وسأله الشيخ عن وصيّته فطلب إعدامه بالرصاص لأنه لا يحبّ المشنقة. ثم عرته رعشة شديدة واستولى عليه الخوف والفزع وهو يطلب الإعدام بالرصاص. وأملى وصاياه على الشيخ ثم وقّعهاويداه ترتجفان، فجاء التوقيع ينمّ عن مبلغ اضطرابه.
وهذا نص وصاياه بالحرف كما أملاها:

1- أوصي بأولادي القصّر، وهذا طلبي من العدالة ومن العلم السوري المفدّى.

2- ديوني بموجب سندات عند الحكومة وتحصيلها وإعطاؤها للورثة.

3- جميع ما تقدّم بحقي من الدعاوي الحقوقية فهي باطلة لا صحة لها أبداً.

4- إعطاء كل ما تطلبه زوجتي شريفة الخرطبيل، وتسليمها ولدي الصغير نور الدين.

5- ألف وستماية وإحدى وستين ليرة ذهبية خاصتي من الحكومة الذي كانوا موجودين عند حسن جورين.

6- أطلبُ العفو من العدالة ومن العلم السوري ومن فخامة الرئيس الأول عن أولادي المحكومين.

7- ساعتي الذهبية وخاتمي الذهب ليسلّموا إلى ولدي سميع.

اللهمّ إننا أذنبنا

ولما سأل الشيخ علي حسن طراف المحمد عن وصيته قال: إذن سيشنقوننا! اللهم إننا أذنبنا فارحمنا. ولم يزد على ذلك.
وقال علي سلمان سعيد: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، الله ربي ومحمد نبيي والمسلمون إخوتي، يارب لا تحاسبنا على ذنوبنا بل اغفر لنا وارحمنا فقد أخطأنا.
ولم يوصِ الرجلان بشيء.

المحكومون في طريقهم إلى المشنقة

وفي الساعة 4.45 طُلب إلى المجرمين الثلاثة أن يخرجوا من دار الشرطة إلى ساحة الإعدام، فأعلن المرشد أنه لا يستطيع السير على الأقدام إلى المشنقة. ولما أنزل من السيارة وأوقف أمام أعوادها أطرق إلى الأرض، وكانت الجامعة تغلّ يديه.
ثم التفت إلى وزير الداخلية وقال له: “دخلك بدي قواص”. فأومأ إليه الوزير بالنفي.

وكان في دائرة الشرطة غير الوزراء الثلاثة الأساتذة: فؤاد المحاسني رئيس المجلس العدلي، ومصطفى الرحيباني أحد أعضاء المجلس، ومصطفى حكمة العدوي النائب العام للمجلس العدلي، وشاكر السباعي سكرتير المجلس، وغالب ميرزو مدير الأمن العام، وعزة الساطي القائد والمستنطق العسكري، والدكتور سعيد الرجولة الطبيب الشرعي.

وقد سأل الأستاذ المحاسني المرشد وزميليه عما يطلبون، فقال المرشد: إن ساعة يدي وهذين الخاتمين الذهبيين تُسلّم إلى ولدي سميع. أرجوك يا فؤاد بك أن تعطيهم له، ثم سّنه الساعة والخاتمين. وسأله عن مصير جثته فقال له: “لا يكن لك فكرة”.

آخر كلمات المرشد

وأمام المشنقة تلا سكرتير المجلس العدلي السيد شاكر السباعي – وقد أخذ رجال الدرك والشرطة التحية الرسمية بالسلاح- قرارالمجلس العدلي بالحكم على الثلاثة بالإعدام، والمرسوم الجمهوري بالتنفيذ. وأُلبس المرشد ثوب الإعدام الأبيض فوق ثيابه. وعلّق أبو جعفر في عنقه لائحة الاتهام. وأُصعد إلى المشنقة فقال والحبل يوضع على عنقه: الله ربي والإسلام ديني، اللهم أمتني على الإسلام، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. الله يجازي الذي خدعني ورماني بهذه الورطة. سلّموا جثتي لعائلتي، وادفنوني بالجوبة. ثم عاد يردد الشهادتين ويقول: “إن شاء الله بموت على الحق”.

ولما سُحب المصعد من تحت قدميه سًمع صوت كسر رقبته، وظل على قيد الحياة مدة تتراوح بين 20 و30 ثانية. وسقط طربوشه على الأرض، فأعيد ثانية إلى رأسه، ودار الحبل دورات ثم أخذ يهبط به قليلاً بتأثير ثقل جثته حتى أنه لم يبق بين قدميه وبين الأرض سوى 43 سانتمتراً.

إعدام رفيقَي المرشد

وأُصعد بعده إلى المشنقتين اللتين إلى جانبي المرشد علي سلمان سعيد وحسن طراف المحمد، وقد حافظا على رباطة جأشهما حتى اللحظة التي وضع الحبل حول عنقهما. وقد لفظ أحدهما الشهادة وطلب من الله العفو والغفران. وقد لفظ الاثنان أنفاسهما خلال دقيقة ونصف الدقيقة، واسودّ وجه الثلاثة. وكانت ساحة الشهداء مطوقة بالدرك والشرطة.

الجماهير في المرجة

واستفاق الناس في الصباح الباكر فعلموا بتنفيذ الحكم بالمجرمين، فسارعوا إلى ساحة الشهداء ليلقوا نظرة أخيرة على المجرمين الذين نالهم القصاص العادل.

دفن الجثث في المهاجرين

وقد ظلّت الجثث معلقة معروضة لأنظار الجماهير حتى الساعة التاسعة، ثم أنزلت وسلمت للمستشفى الوطني الذي تولّى دفنها في مقبرة جبل قاسيون جهة حي أبي جرش.

وقد علم مندوبنا أن المسؤولين في دائرة الإحصاء المدني طلبوا من النيابة الجمهورية إرسال أوراق الدفن حسب الأصول، وليجري أيضاً التأشير على سجلّات نفوسهم بالوفاة، فأجابت النيابة بأنه لم يكن لديها علم بتنفيذ الحكم لتهيئ أوراق الدفن، لهذا فسترسل المعاملة قريباً إلى دوائر الإحصاء.

وهكذا انتهت المراحل التي مثّلها سلمان المرشد وجماعته على مسرح هذا الوطن بهذه النهاية المخزية التي جاءت جزاء وفاقاً.

يمهّد لنبوة ابنه

ومما يجدر ذكره أنه وجد في مفكرة المرشد وفي صفحة يوم الهجرة النبوية هذه الكلمات:
“اليوم الهجرة، اللهم صلّ على النبي فاتح”.

ولعلّ المرشد كان يقصد من ذلك التمهيد لنبوّة ابنه الأكبر بعده.

صدى الإعدام باللاذقيّة

كان لإعدام سلمان المرشد ورفيقيه وقعٌ طيّب جداً في نفوس أهالي المحافظة على اختلاف طبقاتهم. فقد ابتهج الجميع بهذا النبأ السار يذاع عليهم صباح اليوم، واطمأنوا إلى أنّ العدالة ستأخذ مجراها بعد الآن، وأن يدها ستطال أعداء الحرية والأمن وستضربهم بعصا من حديد.

اقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى