القصيدة المجهولة لنزار قباني في التشفّي بمأساة الأسرة الهاشمية في العراق
القصيدة المجهولة التي كتبها الشاعر نزار قباني بعد قيام ثورة تموز في العراق والتي يظهر فيها الشماتة بالأسرة الملكية
يوم الانقلاب الدموي
“يا شعب العراق النبيل، بالاتكال على الله، وبمعونة أبناء الشعب المخلصين والقوات المسلحة الوطنية، قمنا بتحرير الوطن الحبيب من عصبة الفساد التى نصّبتها الإمبريالية”
“إن الحكومة الوطنية الجديدة ستسمى من الآن فصاعداً الجمهورية العراقية”
بهذه الكلمات، أعلن العقيد عبد السلام عارف عبر الإذاعة العراقية نجاح الانقلاب الدموي الذي أنهى حكم الأسرة الهاشمية للعراق في الساعة السادسة والنصف من صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958.
بعد حوالي ساعة ونصف من إعلان البيان، كان أفراد العائلة الملكية بمن فيهم الملك فيصل الثاني وخاله الأمير عبد الإله، والملكة نفيسة (جدة الملك فيصل)، والملكة عابدية شقيقة الأمير عبد الإله في مواجهة اللحظات الأخيرة من نهايتهم المأساوية حيث تم تجميعهم في الدور الأول من القصر الملكي في بغداد.
ولكنّ أحد الضباط لم يتمالك نفسه، فوجّه مدفعه الرشاش إليهم ليقتلهم جميعاً. ولم ينجُ من المذبحة سوى الأميرة هيام (زوجة الأمير عبد الإله)، فقد أصيبت بجراح خطيرة، ولكنها لم تفارق الحياة.
نُقلت الجثث فى إحدى سيارات القصر إلى مقر قيادة الثورة فى وزارة الدفاع، ثم قامت الجموع بإيقاف موكب الجثث، واستطاعت انتزاع جثة الأمير عبدالإله، وعلقتها على بوابة وزارة الدفاع.
أما رئيس الوزراء العتيد نوري السعيد، فقد قُبض عليه فى اليوم التالي متنكراً بزى امرأة عراقية. ثم قُتل على يد رقيب من سلاح الطيران، وبعد دفنه، سحبت الحشود الغاضبة جثته ثانية من القبر وسحلتها فى الشوارع.
نهاية مأساوية وانتقام بشع لم يخطر على بال أشد خصوم الحكم الملكي في العراق.
قوبل الانقلاب الدموي (ثورة تموز) بترحيب من الجماهير العربية في الدول التي كانت تسيطر عليها قوى “التحرر”، وانطلقت أقلام الأدباء وحناجر المغنّين العرب تمجد ثورة الشعب العراقي على “الظلم والاستبداد”.
نزار قباني يؤدي دوره في سحل العائلة المالكة
ولم يغرّد الشاعر السوري نزار قباني خارج السرب، فكتب قصيدته “تحية حبّ.. لبغداد” التي نشرتها مجلة “الآداب” البيروتية الشهيرة في أول عدد لها بعد الانقلاب (أيلول 1958) كما نشرتها مجلة “الثقافة” السورية في شهر آب من العام نفسه.
جاءت القصيدة مثقلة بالمبالغات الفجة والتجني والشطط اللفظي، فجعل من الملك “ربّاً تافهاً من ورق” و”حذاءً للغرب”. وحمّله مسؤولية مقتل “الملايين” من العراقيين.
ولا ندري إن كان نزار قباني قد تنبّه لاحقاً إلى ما كانت تحمله قصيدته من تهويل، ولذلك فقد أسقطها من مجموعاته الشعرية التي كان يطبعها على نفقته.
تحيّة حب .. لبغداد
“باسم مليون عراقي قتلتَهْ
بيديكْ
باسم حلف بدم الشعب كتبتَهْ
وانتهى..
لا رحمة الله عليهِ
أو عليك.
باسم ربّ إنكليزي عبدتَهْ
وضميرٍ ما عرفتَهْ
ورغيفٍ من فم الشعب سرقتَهْ
باسم شعبٍ
عربيّ الوجه، للأحلاف بعتَهْ
يا حذاءَ الغرب ..
للشيطانِ بعتَهْ..
باسم آلاف المقاصلْ
وضراعات الثكالى
والحواملْ
باسم شعبٍ
طيبٍ كالطفل، بالنار حكمتَهْ
باسم من شرّدتَهُ
من أصدقائي
أو صلبتَهْ
في سبيل الكلمةْ
أبداً، ليس تموتُ الكلمةْ
هي خبزُ الطيّبينْ
وصليبُ المؤمنينْ
وضريحُ الظالمينْ
باسم بغدادَ الحبيبةْ
مرفأِ الأنجم … والفيروزِ
شلّال العذوبةْ
باسمها.. من كتبَتْ
أول حرفٍ في العروبةْ
باسم آلاف العباءات ..
مظلّات الرطوبةْ ..
باسم أمّي ..
بـاسم أختي
باسـم أحزان السنين الماضيةْ
باسم أحداق الصغار الصافيةْ
باسمهم يا طاغيةْ
أيها الجاعلُ من بغداد روما ثانيةْ
باسم من ماتوا على أرض العراق
من رفاقي..
في سبيل القافيةْ
أتكلمْ
صار في إمكاننا أن نتكلمْ
يا عميلَ الليلِ، والإرهابِ،
والدمْ
صار في قدرتِنا أن نتبسّمْ
نحن في قصركَ ..
في ساحاته
لهبٌ غنّى .. وبركان تضرّمْ
يا حذاء الغربِ ..
يا دميتَهُ..
بيننا ألف حسابٍ .. سوف يُحسمْ
هذه بغدادُ .. يا بائعَها
رجعت
أشهى من الحلم وأكرمْ
كلّ جرحٍ .. وله ميعادهُ
يعطش الجرح .. ولكنْ ليس يُفطَمْ
ما كرهنا الظلمَ..
ما ضقنا به
يصبح الشعب إلهاً
حينَ يُظلمْ…
ربّنا ماتَ
قتلنا ربّنا ..
ورميناه إلى قعر جهنّمْ
كان ربّاً تافهاً
من ورقٍ…
كان مسخاً..
كـان أعمى..
كان أبكمْ..
كــان ربّاً أجنبيّاً
ربُّنا ..
كان في إنكلترا…
يُسقى
ويطعم..
كلّ ربٍّ أجنبيٍّ صنْعُهُ
سوف يلقى حتفَهُ
سوف يحطّم..”