الشيشكلي في البرازيل – تفاصيل الأيام الأخيرة من حياة الرئيس أديب الشيشكلي في البرازيل وقصة اغتياله
الشيشكلي في البرازيل
كان الرئيس السوري الراحل أديب الشيشكلي -رحمه الله- شخصية جدلية اختلف الناس فيها. فهناك شريحة واسعة من السوريين ترى أديب الشيشكلي رمزاً وطنياً شهدت سورية في عهده ازدهاراً اقتصادياً وتشريعياً غير مسبوق، واختار التنازل عن الحكم حقناً لدماء السوريين وحفاظاً على وحدة الجيش. خاصة عندما يقارنونه بمن تمسك بكرسي الحكم على أشلاء الشعب وبقايا الوطن. بينما تراه فئة منهم ديكتاتوراً وجّه سلاح الجيش إلى صدور السوريين، ويعدون مقتله ثأراً للعشيرة التي يمثلونها.
لجأ الشيشكلي بعد الانقلاب عليه وتقديم استقالته يوم 25 شباط 1954 إلى السفارة السعودية في بيروت. وانتقل إلى المملكة العربية السعودية لاجئاً سياسياً بعد يومين في 27 شباط حيث صدر بيان رسمي من الديوان الملكي السعودي باستقباله.
انتقل الشيشكلي بعد ذلك إلى سويسرا قبل أن يقرر نهائياً الاستقرار في البرازيل.
الشيشكلي في البرازيل
في بلدة سيريس على بعد 270 كم من العاصمة برازيليا، عاش الرئيس أديب الشيشكلي سنواته الأربع الأخيرة يدير مزرعة خاصة ومتجراً خاصاً.
استقبل الشيشكلي في عام 1962 فريقاً من مجلة محلية في سيريس. وقد صرّح للمجلة أنه يعتزم أن يعيش حياة هادئة. وأنه يريد أن يرى سورية تنعم بالتقدم والازدهار. وأنه لا يود أن يرى قطرة دم عربية واحدة تراق.
في سيريس، لم يكن سوى المقربين منه على علم بمنصبه السابق. وكانت الحياة هناك تسير كما يشتهي الرئيس الشيشكلي في منفاه، حتى ظُهر يوم الأحد 27 أيلول/سبتمبر 1964.
في ذلك اليوم عاد الشيشكلي من زيارة أصدقائه في بلدة ريالما القريبة. بعد عبور الجسر الإسمنتي الذي يربط سيريس بريالما، وقف شاب مجهول لا يعرفه أهل البلدة وأطلق على الشيشكلي خمس رصاصات. (سيظهر لاحقاً أنه نواف غزالة من جبل الدروز بسورية).
خلع القاتل نظارته الشمسية وتأكد من مقتل ضحيته، وركل الجسد المضرج بالدماء، وأعاد تعمير مسدسه. سار القاتل على طول نهر (ريو داس ألماس). مع نهاية تلك الليلة، علمت المنطقة كلها بالجريمة من محطة الإذاعة المحلية في البلدة، باستثناء أقارب الرئيس.
كان ابنه موفق -الذي رافقه للعيش في البرازيل- عائداً من رحلة برية إلى مارانهاو. يقول طالب الطب فالتر بيريرا دي ميلو الذي شهد الحادثة عندما كان يلعب كرة الطاولة مع أصدقائه أمام منزله. (سيصبح بعد تخرجه عمدة البلدة لأربع فترات، ونائباً عن الولاية لفترتين تشريعيتين):
“كنت أعرف جميع أفراد الأسرة. كان الشيشكلي رجلاً نبيلاً متوسط القامة قوي البنية، هادئ الحديث دائماً. وكنت صديقاً لابنه”.
الدفن المؤقت في البرازيل
في اليوم التالي 28 أيلول سبتمبر 1964، بدأ عناصر الشرطة بتتبع القاتل، بينما كان القنصل السوري في أنابوليس يحاول تسريع إجراءات نقل جثمان الرئيس إلى بلده الأم. لكن اثنين من المحققين من سيريس خلصوا إلى أنه لا توجد طريقة لحفظ الجثة في البلدة وأنه يجب دفنها فوراً.
في صباح اليوم التالي، سار الموكب في شوارع سيريس الحجرية والترابية. وحمل النعش أصدقاء الفقيد وابنه موفق الذي وصل لاحقاً، وكان في أشد لحظات الحزن يبكي جاثياً على ركبيته معانقاً جثمان والده. وانتهى الدفن قبل الظهر بقليل.
الشيشكلي يعود إلى وطنه
بعد أربعة أيام من الدفن في بلدة سيريس، أرسلت الحكومة المركزية أستاذاً في علم التشريح من جامعة غوياس الاتحادية لاستخراج الجثة. ونقلت الجثة بالسيارة إلى ريو دي جانيرو، ومنها نقلت على متن الطائرة إلى دمشق.
دفن الشيشكلي لاحقاً في مسقط رأسه مدينة حماة بسورية في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1964 في جنازة مهيبة خرجت فيها المدينة كلها.
ومهما يكن رأينا في الرئيس أديب الشيشكلي الذي اختلف السوريون فيه وانقسموا حول سيرته. فإننا لا يمكن أن ننكر أن أكثر ما يلاحظ في شهادات أنصاره وخصومه على حد سواء صفة “الوطنية” التي تتردد كثيراً كصفة لازمة له في مذكرات السياسيين والعسكريين الذين عاصروه وعملوا معه أو ضدّه.