الدولة العلوية مقابل طرابلس السورية – الانتداب الفرنسي أصل الأزمات في سورية ولبنان
الانتداب الفرنسي في الشرق: أصل الأزمات في سورية ولبنان
مقال في جريدة لو فيجارو الفرنسية للكاتب كريستيان دو مولينر يحمّل الانتداب الفرنسي مسؤولية الأزمات الحالية في سورية ولبنان
—–
ليس هناك شعور وطني يوحّد الطوائف المختلفة في لبنان من مسيحيين وسنّة وشيعة ودروز. كانت الرغبة في الاستقلال ورفض فرنسا قد قرّبت تلك الطوائف بعضها من بعض في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، ولكن ما لبثت أن مزّقت تلك الدولة نفسها مع رحيل القوة الاستعمارية، خاصة وأن اللاجئين الفلسطينيين زادوا من حدّة المشاكل.
وقع لبنان في أزمة مفتوحة منذ عام 1958. في ذلك الوقت تدخلت الولايات المتحدة تدخلاً غير حاسم. قرر الرئيس أيزنهاور إنزال مشاة البحرية الأمريكية، وكان أقصى ما سمح به ذلك القرار هو تجميد المشاكل حتى الحرب الأهلية الرهيبة التي دمرت بلد الأرز بين عامي 1975 و 1991. ومنذ ذلك الحين بقي البلد في وضع توازن هش، لكن النار ظلت كامنة تحت الرماد.
وبالمثل، فإن الحرب الدائرة في سورية منذ عام 2011 لها بعد ديني لا يقبل الجدل. ومع أنه ليس السبب الوحيد ولكنه أساسي. لقد تدخّل حزب الله وإيران بشكل حاسم إلى جانب الأسد لأن الأسد علَويّ. (وبالتالي فهو محسوب على الشيعة، وإن كان هناك من يطعن في هذا الانتماء).
لبنان الكبير: أصل المشكلة
إن دولة صغيرة يسكنها 80٪ من المسيحيين كانت ستشهد استقراراً داخلياً كبيراً، وستنأى بنفسها عن اضطرابات المنطقة. لقد خلقنا “لبنان الكبير”، وهو عبارة عن فسيفساء من الشعوب. لقد تسبب هذا التصرف الغبي في مقتل عشرات الآلاف.
لكن فرنسا تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية في هذا الغرق الدموي.
في نهاية الحرب العالمية الأولى حصلت فرنسا من عصبة الأمم على تفويض بالانتداب على سورية ولبنان. (كانت هذه الدول تتبع للدولة العثمانية قبل الحرب). كان على فرنسا تنظيمها وتأهيلها إلى الاستقلال بسرعة. وإذا كان المسيحيون والعلويون ينظرون إلى هذا التدخل بشكل إيجابي، فإن الأمر لم يكن كذلك مع المسلمين الآخرين. لقد فضّل أولئك إنشاء مملكة يحكمها الأمير الهاشمي فيصل. وكان على فرنسا شن حرب دموية لغزو دمشق.
منذ عام 1860، كانت هناك منطقة شبه مستقلة ضمّت جميع المسيحيين الموارنة، “لبنان الصغير“، والتي كانت تحت الحماية الفرنسية. كانت حماقتنا الأولى هي أننا ألحقنا بهذه المنطقة العرقية الموحدة مناطقَ ذات أغلبية سنية أو شيعية أو درزية، وخلقنا “لبنان الكبير“، وهو عبارة عن فسيفساء من الشعوب. لقد تسبب هذا التصرف الغبي في مقتل عشرات الآلاف.
إن دولة صغيرة يسكنها 80٪ من المسيحيين كانت ستشهد استقراراً داخلياً كبيراً، وستنأى بنفسها عن اضطرابات المنطقة.
الإمعان في التقسيم
كان أول ما فعلناه أننا مزّقنا المنطقة التي أوكلت إلينا. فبالإضافة إلى لبنان الكبير، أنشأنا منطقة علوية على ساحل البحر المتوسط، ودولة عاصمتها حلب، ودولة أخرى مركزها دمشق، وأخيراً دولة درزية. لكن وفي نهاية عام 1925 ارتكب خطأ لا يمكن إصلاحه بدمج أربعة من هذه الدول الناشئة. بقي لبنان وجمهورية هاتاي -وعاصمتها أنطاكية القديمة- منفصلين. تم تسليم هاتاي الصغيرة إلى تركيا في عام 1939 بعد استفتاء مزور. ثم ضحينا بـ 30٪ من سكان هاتاي الأرمن (الذين عاش أجدادهم في المنطقة منذ زمن الحروب الصليبية) وأجبرناهم على ترك منازلهم في منتصف شتاء عام 1939 للجوء إلى سورية سيراً على الأقدام في البرد القارس. مات الكثير من المنفيين خلال هذا الترحيل. في المقابل، توصلنا مع تركيا إلى اتفاق بألا تتحالف مع الرايخ الثالث. لو أن تركيا انضمّت إلى ألمانيا في ذلك الوقت، لتدخلت بلا شك في القوقاز ضد الاتحاد السوفييتي، ولكانت نتيجة الحرب العالمية الثانية مختلفة على الأرجح.
كان أغلب العلويين يريدون أن يبقوا فرنسيين، وكانوا يلوحون بعلم فرنسا في كل مظاهراتهم. ومع ذلك، فقد اتخذت فرنسا مثل هذا القرار الكارثي، لأنها أرادت وبأي ثمن أن تمنح سورية ميناءً بحرياً لأن أنطاكية اضطرت إلى العودة إلى تركيا.
إذا كانت إعادة توحيد دولتي حلب ودمشق أمراً جيداً (في الواقع، كان يجب أن نذهب أبعد من ذلك ونسلم هذه المناطق لفيصل، الذي أصبح في هذه الأثناء ملكاً على العراق)، وإذا كان بإمكاننا تفهّم ضم المنطقة الدرزية في النهاية، فإن دمج المنطقة العلوية كان جنوناً. كان أغلب سكان تلك المنطقة يريدون أن يبقوا فرنسيين، وكانوا يلوحون بعلم فرنسا في كل مظاهراتهم. ومع ذلك، فقد اتخذت فرنسا مثل هذا القرار الكارثي، لأنها أرادت وبأي ثمن أن تمنح سورية ميناءً بحرياً لأن أنطاكية اضطرت إلى العودة إلى تركيا.
الدولة العلوية مقابل طرابلس السورية
طرابلس مدينة سنّية بالكامل ألحقت بشكل مصطنع بلبنان الكبير.
من المسلّم به أن وطناً بلا منفذ بحري سيواجه عقبات في تنميته الاقتصادية. ولكنْ كان هناك حلّ آخر لتجنب هذه المشكلة: الحفاظ على الدولة التي يمثّل العلويون الأغلبية فيها، ومبادلتها بطرابلس السورية، وهي مدينة سنّية بالكامل ألحقت بشكل مصطنع بلبنان الكبير. ولو كنّا -بين عامي 1920و1925- احترمنا الانتماءات الوطنية وشكّلنا تلك البلاد على أساس الشعور بالانتماء للمجتمع، لكنا بلا شك أنقذنا حياة ثلاثمائة ألف إنسان في القرن الواحد والعشرين.
نأمل ألا تؤدي الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا إلى المزيد من الموت في المستقبل، ولكننا لا نضمن ذلك.
حقوق الترجمة: موقع تاريخ سورية
رابط المقال الأصلي بالفرنسية
اقرأ أيضاً: