محطات تاريخية

بانياس تشهد أول صدام طائفي في سورية بعد استيلاء حزب البعث على الحكم

بانياس تشهد أول صدام طائفي في سورية بعد استيلاء حزب البعث على الحكم

في شباط عام 1964، واحتفالاً بمرور سنة على انقلاب الثامن من شباط في العراق الذي سبق انقلاب حزب البعث في سورية بشهر واحد، نزل بعض أنصار حزب البعث من الجبل واتجهوا إلى مدينة بانياس ذات الأغلبية السنّية وبدؤوا يرددون هتافات طائفية (البعثيّة علويّة) بغية استفزاز الأهالي واستعراض القوة، وهي شعارات تظهر التوجّه الطائفي الأقلّوي للمتسترين بشعارات البعث، فتصدّى لهم أهالي المدينة، وسقط بعض القتلى والجرحى. وصل الخبر إلى الجبل فتجمّع جمهور من عشائره وتوجهوا إلى بانياس، وعندما بلغوا رأس النبع في ضواحي بانياس طلبت منهم قوات الأمن الرجوع إلى قراهم، واعتقلت من رفض العودة. وأضربت المدينة احتجاجاً(1).

وشهدت بعدها المدن السورية احتجاجات مماثلة بلغت ذروتها في مدينة حماة خلال ما عرف بأحداث جامع السلطان في نيسان من العام نفسه، حيث قصفت المدينة بالدبابات والمدفعية وقتلت السلطات العشرات من المدنيين وهدمت المساجد ونكّلت بالمدنيين في نموذج مصغّر لما حدث لاحقاً في مجزرة حماة الكبرى في شباط عام 1982.

كما ترافقت تلك الأحداث مع إضراب التجار في المدن الرئيسية في سورية والذي تعاملت معه قوات الحرس القومي بعنف حيث كسرت أقفال المحلات التجارية وتركتها مفتوحة للنهب(2).

رأس النبع تعيش الحقد الطائفي مجدداً

بعد نصف قرن من هذا الصدام ستشهد (رأس النبع) مجزرة طائفية مروعة في الثاني والثالث من أيار عام 2013 كامتداد لمجرزة قرية البيضا التي أشرف عليها معراج أورال (أو علي كيالي)، وهو تركي يحمل الجنسية السورية، حيث سقط برصاص الموالين من القرى المحيطة عشرات الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء الذين تكدست جثثهم التي أحرقها المقتحمون في الطرقات ومداخل البيوت، لتكون مجزرة البيضا إحدى أبشع المجازر التي نفّذها النظام السوري ضد معارضيه.

مجزرة البيضا التي نفذها موالون للنظام السوري بإشراف معراج أورال في الثاني والثالث من أيار عام 2013

رأس النبع في شعر سليمان العيسى

يؤرخ الشاعر سليمان العيسى لهذا الصدام الطائفي بقصيدة جميلة كتبها عام 1964 خلال الأحداث مبدياً أسفه وحزنه على ما حدث في بانياس التي يسمّيها (جارة النبع)، ومما جاء في قصيدته:

يا جارة النبع في عينيك رقّتُه
عند الغروب وفي عينيّ شكواهُ

تحنو الدوالي على كفّيه ظامئةً
فتُغدق النغمَ المسحورَ كفّاه

تعوّدت شفتِي كأساً معطّرة
وساعةً من شرودٍ في زواياهُ

أُلقي عليه هجيري كلّما عبرتْ
بيَ الدّروبُ وأستهدي بريّاهُ

يا جارة النبع، رأسُ النبع أرّقني
إن صحّ في ضفّتيه ما سمعناهُ

يروون أنّ يداً سوداء قد لمستْ
خدّيه فاسودّ عند الفجر مجراهُ

وأنّ غيمة نارٍ في الضحى عبرتْ
فسمّمت – وهو معسول اللمى- فاهُ

وأن ليلاً عصرنا عمرنا سهراً
لكي نزحزحه أهوى وغطّاهُ

وأبصر العُميُ في أطراف غابتهمْ
دربَ الحياة وأهلي في الضحى تاهوا

يهتز في كفّهم سيفٌ يطير لظى
وهم ضحاياه إن يَضربْ وحدّاهُ

وتنذر العين عيناً سوف تطفئها
يا للمبارِزِ، عيناهُ عدوّاهُ

من يطعنون؟ ضلوعاً ضمّها جسدٌ
يكفيه عبر الليالي ما أذقناهُ

إني نصبت على التاريخ أجنحتي
ولن أحطّ عل
ى قبر مللناهُ

الشاعر سليمان العيسى

المراجع

1- مذكرات أكرم الحوراني – ص3325
2- تطور المجتمع السوري – نشوان الأتاسي – ص253

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى