كلمة بدوي الجبل في مجلس النواب بعد إلغاء الاستقلال المالي والإداري لمحافظة جبل العلويين
كلمة بدوي الجبل في مجلس النواب بعد إلغاء الاستقلال المالي والإداري لمحافظة جبل العلويين
في 19 كانون الأول عام 1945، تقدم النائب محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) مع بقية نوّاب محافظة جبل العلويين (التي منحتها السلطات الفرنسية استقلالاً مالياً وإداراياً) باقتراح لإلغاء هذا الاستقلال.
نص الاقتراح:
دولة رئيس مجلس النواب الموقّر
نقترح على مجلسكم الكريم أن يتخذ القرار الآتي:
لمّا كانت الإدارة القائمة في محافظة اللاذقية لا تلتئم مع الوضع الاستقلالي الجديد، وكان الاستقلال الإداري المالي الذي فرضه الأجنبي على محافظة اللاذقية قد طبّق دون موافقة أهالي المحافظة على هذا الوضع، لذلك فإن المجلس النيابي يقرر إلغاء الاستقلال المالي والإداري المتبع في محافظة اللاذقية، وتطبيق كافة القوانين المرعيّة الإجراء في الدولة السورية فيها.
نائب جبلة: جمال علي أديب، نائب اللاذقية: محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)، نائب اللاذقية: على سعاد هارون.
وعند طرح الاقتراح على التصويت بالنص الذي تلي به، وقف المجلس برمّته، وقبل الاقتراح بالإجماع.
كلمة بدوي الجبل
وبعد إقرار القانون، تحدّث عدد من النوّاب، كان أولهم الشاعر بدوي الجبل الذي ألقى الكلمة التالية:
سيدي الرئيس، سادتي: أنهى المجلس النيابي في هذه اللحظة مرحلة كبيرة من مراحل جهاد هذه الأمة. فقد اصطدمت المفاوضات السورية الفرنسية أعواماً طويلة بصخرة الاستقلال الإداري لمحافظة اللاذقية. وأذكر أن هذا الاستقلال المالي والإداري كان سبباً في يوم من الأيام لاستقالة وزارة وطنية كان على رأسها السيد لطفي الحفار، بل ربما كان هذا الاستقلال وفرض إرادة الأجنبي في ظرف من الظروف بتعيين محافظ اللاذقية من قبل المفوض السامي مع وجود رئيس الجمهورية ومجلس النواب ومع وجود الدستور، كان هذا الفرض سبباً لأزمة سياسية عنيفة استقال على إثرها رئيس وزارة سابق. بل ربما كانت من أكبر الأسباب التي أدت الى استقالة فخامة رئيس الجمهورية السابق السيد هاشم الاناسي. فعندما ألغيتم هذا الاستقلال الآن عادت بي الذكرى إلى كل هذه الأمور، إلى أشـام زمن مر على هذه الأمة ولا سيما في هذه المحافظة البائسة ومالقي أبناؤها من جور وظلم وعنت في ظل ذلك الاستقلال الموهوم الذي لم يقصد به وجه الله ولا وجه الوطن ولا وجه الطبقة البائسة الفقيرة من أبناء هذه المنطقة. بل تسلل النفوذ الفرنسي وتسلل الإقطاعية الغاشمة وطغيانها وسيطرتها على هذه المحافظة.
فعندما تعود هذه المحافظة إلى وطنها الأم بقرار من مجلس نيابي حر لا بقرار من دولة أجنبية ولا بعمل من أعمال دولة أجنبية فهذه العودة ليست مظهراً من مظاهر الاستقلال فقط بل مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية التي يجب أن تقوم عليهـا هذه البلاد، هذه الحياة الاجتماعية التي تقضي بأن يتساوى كل إنسان بأي إنسان. فقد فرض هذا النظام الإداري المالي على محافظة اللاذقية نظاماً إقطاعياً صارماً لا يتساوى فيه الإنسان مع الإنسان. بل هناك سيد وعبد، وآمر ومأمور. بل هناك ما هو أكبر من ذلك مما لا أريد ذكره الآن. فأنتم أيها السادة قد فرضتم الآن انقلاباً اجتماعياً في هذه المحافظة لا انقلابا ًإدارياً ماليّاً فقط. فلكم الشكر من أبناء هذه المنطقة، من عمّالها ورؤسائها ومزارعيها وسكانها الذين يهلّلون من أعماق قلوبهم لهذا القرار .
أما الحكومة
فإنها لم تتردد في يوم من الأيام بوجوب إلغاء هـذا الاستقلال المالي والإداري. وهذا ما فعلته جميع الحكومات الوطنية. وأنا الذي رافقت هذه القضية منذ سنين أعلم كل الصفحات التي مرت عليها. ولكن الحكومة الوطنية كانت تريد أن يجتمع مجلس إدارة اللاذقية، وهذا ما استميح أن أقوله الآن في هذه الجلسة التاريخية، كانت تريد أن يجتمع المجلس الإداري في محافظة اللاذقية كما اجتمع المجلس الإداري في محافظة أبناء معروف الغطاريف الميامين ويقرروا ذلك. ولكن مع الأسف، لم تتهيأ لنا هذه الأمنية. ونحن نوّابَ هذه المحافظة في هذا المجلس لم نترك منذ سنتين فرصة تمرّ إلا وطالبنا بإلغاء هذا الاستقلال الإداري المالي وكنا نرغب أن يكون هذا الطلب بالإجماع، وهذا هو سرّ تأخرنا حتى الآن. ولا أعتقد أنني أضررت بأحد بالإباحة بهذا السر. أما الآن فالشكر لمجلسكم الكريم على هذه العاطفة النبيلة التي أظهرهـا بمناسبة هذا القرار الخطير. والسلام عليكم (تصفيق)