الزكرتي
إن مفهوم الزكرتي في دمشق يعني الشهم (المعدّل الرايق القبضاي الجومرد ابن الحلال) الذي يمد رجله ولا يمد يده، على حد تعبير أحد المساجين الزكرتية ممن لقيتهم في السجن.
وكان المرحوم فوزي الزعيم، وهو من أعرف الناس بدمشق، يخبرني عنهم أنهم كانوا يمثلون الفروسية التي اشتهرت في القرون الوسطى، والفتوة والمروءة التي اشتهر بها العرب. يعفّون عن الحرام. أصحاب دين ونخوة. تقصدهم في أمر فيلبون. تقول لأحدهم: “إلك ولا للديب؟” فيقول: “خسى الديب، اطلب تُعطَ”. ولو طلبت روحه لأعطاك. يجيرون من يستجير. وينتصرون للضعيف. ويكرمون الفقير. ويأكلون الحلال ولا يرضون سواه. ومنهم كان الثوار في كل ثوراتنا المتعاقبة.
كتبتُ مرة مقالاً بعنوان (صورة الشعب) تساءلت فيه عن ابن الشعب الحقيقي الزكرتي الذي يصورونه في تمثيليات التلفزيون والإذاعة. وسألت هل يمثله أبو رشدي وأبو صياح وأبو فهمي ومن لا أدري أيضاً، وكان الجواب أنهم صور مشوهة لابن الشعب، قد يكون واحدهم يلبس الشروال ويسرح وراء الدابة المحملة بالخضار أو وراء العربة ينادي على صنف من الفاكهة، ولكنه ليس هو الزكرتي الذي يمتاز بالخلق والحياء إلى جانب الشجاعة.
الزكرتي لا يغمز بعينه ولا يفتل شاربيه ولا يلعب بالخال الذي على خده. إنه رجل يغضي حين يمشي، ويعطي حين يطلب منه، وينتخي حين يتطلب الأمر النخوة، وأعرف زكرتية كثيرين لم ينكشف (ديلهم) على حرام، أحدهم في الميدان سمع عن بنت اغتصبها السنغاليون أيام الثورة ولم يعلم بالأمر أحد، وقبل أن ينتشر الخبر بعث إلى أبيها فخطبها وهو شيخ شباب الحي، وأمهرَها مهراً جيداً وزفّت إليه في احتفال كرم به أهلها، ولكنه لم يمسها، واستبقاها عنده عزيزة لفترة من الزمن حتى طلقها وأعطاها مؤخرها وأكرمها، أما الذين (يتبوجقون) ويتراذلون فهم ليسوا من الزكرتية وإنما من الزعران.
من كتاب (حديث دمشقي) للأستاذ نجاة قصاب حسن، رحمه الله.
اقرأ أيضاً:
معاناة الطربوش