الفنان التشكيلي سعيد تحسين (1904 ـ 1985)
سعيد تحسين فنان تشكيلي سوري ولد في مدينة دمشق، وتوفي فيها.
بدأ الرسم منذ طفولته ودرس الفن دراسة خاصة.
ترك المدرسة بعد حصوله على الشهادة الابتدائية.
كان مولعاً بالتصوير منذ طفولته، فعكف على دراسة قواعد التصوير الرئيسة بجهوده الشخصية مستفيداً من الكتب والمراجع المختلفة التي توافرت في مكتبات دمشق في أوائل القرن العشرين.
وزاول هوايته بدأب وجد حتى صار فناناً مرموقاً يجمع بين الموهبة الفطرية والتربية الذاتية والتطبيق. وقد تأثر سعيد تحسين في بداية حياته الفنية بأعمال المصورين الشعبيين الذين كانوا يصورون موضوعات شعبية زخرفية ساذجة على قطع الحرير ووجوه المساند التي كانوا يزينونها بالورود أو الطيور. وقد زامل هؤلاء المصورين في سوق الحرير بدمشق. تميزت أعماله وقتئذ بالواقعية والعناية بالتفاصيل إضافة إلى حيوية اللون وتبدلاته مع الظل والنور.
سافر سعيد تحسين إلى بغداد عام 1934، و درّس مادة التربية الفنية في دار المعلمين هناك. وتأثر بالفكر الثوري القومي العربي، كما اطلع على فلسفة أبي العلاء، وأوحت له رسالة الغفران لوحات زيتية منها لوحة «الجنة والنار» المعروضة في المتحف الوطني في دمشق التي صور فيها المعري ضريراً على خلفية تخيّل فيها الجنة والنار.
عاد سعيد تحسين إلى دمشق عام 1941، وبدأ مرحلة جديدة من النشاط الفني، فأسس الجمعية العربية للفنون الجميلة عام 1942، وتنوعت موضوعاته، فكان منها اللوحات التاريخية والفلسفية والشعبية والسياسية والاجتماعية، ومنها لوحته الشهيرة عن «حريق المجلس النيابي» الذي أُحرق إبان العدوان الفرنسي على دمشق في 29أيار 1945، وتنوعت لوحاته بعد جلاء الفرنسيين عن سورية. وفي عام 1962 انتقل إلى مصر، وأقام فيها حتى عام 1983، تابع فيها مسيرته الفنية.
جاءت لوحات سعيد تحسين التاريخية تعبيراً واضحاً عن الأحداث التاريخية العربية، وجميعها متقاربة من حيث صياغتها وحرصها على التفاصيل ودقتها. ومن رسومه لوحة «اليرموك» و«ذات الصواري» و«القادسية» و«فتح الأندلس»، وأهمها لوحة «صلاح الدين الأيوبي» (1954) الذي نفّذها ضمن تكوين متماسك ومتوازن بأسلوب واقعي صادق. واختار لحظة استسلام جيوش الصليبيين للسلطان صلاح الدين إثر موقعة حطين، فصور قادتهم وقد ألقوا أسلحتهم أمامه مظهراً عظمة السلطان البطل وقوة شخصيته.
وفي مجال تصويره للموضوعات الشعبية، كان سعيد تحسين من أول الفنانين الذين صوروا المظاهر الشعبية الشائعة في الحياة اليومية، كلوحته «عرس في دمشق» (1939) و«الدبكة» و«المضافة» و«عرس في قرية»، وتتصف كلها ببراعة التصوير ودقة التعبير عن انفعالات الأشخاص الذين صوّرهم في تلك اللوحات.
عالج سعيد تحسين في لوحات عدة، المشكلات الفلسفية التي شغلت فكره دوماً مثل «الخير والشر» و«الحرية والعدالة» و«الإيمان والشك» متأثراً بآراء المعري، فبدى من خلالها فناناً موسوعياً تناول قضايا عصره، وبحث في أعماق النفس البشرية وفي القضايا المصيرية. كما أنتج لوحات سياسية واجتماعية مثل «شهداء 6 أيار» و«العدوان الثلاثي على مصر» و«ميسلون» و«مباحثات الوحدة بين سورية ومصر»، ومن رسومه الشهيرة لوحة «المجاعة في سورية في الحرب العالمية الأولى» التي صوّرها تحت تأثير مشاهداته المختلفة في تلك الحرب.
بلغ عدد الأعمال التي نفذها سعيد تحسين /2500/ بين لوحة ورسم ودراسة، وكانت جميعها سجلاً صادقاً لرؤيته وأفكاره، وقد كرمته الجمهورية العربية السورية فمنحته وسام الاستحقاق السوري عام 1983، كما اقتنت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة آنذاك عدداً من لوحاته.
شارك سعيد تحسين في عدد من المعارض التي أقيمت في دمشق وغيرها من المدن العربية، وكان آخرها المعرض الذي أقيم لأعماله في صالة إيبلا في دمشق 1984.
كان سعيد تحسين رائداً من رواد الفن الحديث في سورية، وصارت تجربته الفنية ملهمة للأجيال اللاحقة لصدق مشاعره وعمق انفعالاته وارتباطه بالبيئة المحلية.
والمطلع بعض لوحاته التي سنعرضها الآن سيجد أن لوحاته سبقته في الشهرة والقبول، وبعضها – كلوحة صلاح الدين- بلغت العالمية في الانتشار.