قطوف من الكتبمحطات تاريخية

توريث بشار الأسد

شهادة فاروق الشرع عن الساعات التي سبقت توريث بشار الأسد

يروي وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع وقائع الساعات الأولى التي تلت وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وكيف مهدت لولده بشار الطريق إلى الرئاسة. ويتحدث عن دوره ودور وزير الدفاع مصطفى طلاس في الأمر. كما يتحدث عن مسوّغات توريث بشار الأسد كما يراها هو.

سجل الشرع شهادته تلك في مذكراته (الرواية المفقودة) تحت عنوان: التأبين والتوريث.

خبر الوفاة

صباح العاشر من حزيران/ يونيو 2000 اتصل معي هاتفيًا اللواء آصف شوكت الذي تربطني معه معرفة قديمة. وطلب أن أحضر إلى بيت الرئيس في الحال. وعندما قاطعته للاستفسار عن الدواعي أجاب بصوت متهدج: وجودك ضروري.

في الطريق إلى بيت الرئيس قدّرت أن الرئيس ربما قد أصبح في حالة احتضار؛ فهو عادة يتصل معي مباشرة أو عن طريق مدير مكتبه الخاص أبو سليم دعبول. استبعدت من ذهني فكرة الوفاة لأنني رأيته منذ بضعة أيام وكانت أوضاعه الصحية كما كانت في الأشهر الأخيرة ليست خطيرة.
لا شك أن قمة جنيف في آذار/ مارس 2000 قد خيبت آماله دفعة واحدة سواء تجاه الدور الأميركي أو من عملية السلام. أذكر أنني قلت له قبل عدة أسابيع أن نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، سألني عن حقيقة ما شاع بأن الرئيس الأسد شديد الانزعاج من تهديدات باراك بالانسحاب من جنوب لبنان من دون اتفاق مع سورية. أجبت الرئيس بري أن الرئيس الأسد منزعج من باراك لكنه ليس منزعجًا من انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان من دون اتفاق ومن دون قيد أو شرط.

وصلت إلى بيت الرئيس الذي خيم عليه الصمت. أدخلني البواب الأزلي من دون ابتسامته المعهودة إلى صالون الاستقبال. كان وزير الدفاع مصطفى طلاس ورئيس الأركان علي أصلان يهمان بالجلوس. استقبلني في مدخل الصالون اللواء آصف شوكت. فهمت بإيماءة حزينة منه أن جثمان الرئيس مسجى في الغرفة المجاورة. كان الصمت أثقل من أي كلام يمكن أن يقال في هذا الجو المهيب. وصل بعد قليل نائب الرئيس عبد الحليم خدام بلباس الرياضة، بينما كان بشار الأسد وماهر الأسد يذرعان المكان ويتنقلان بين صالون الاستقبال وداخل البيت والقلق يعتريهما بوضوح، فهما لا يستقران في الجلوس بيننا حتى ينهضا من جديد.

التمهيد للتوريث


“لم يتساءل أي منا في جلسة حزينة كيف حدثت الوفاة المفاجئة. لكن العماد مصطفى طلاس كسر الصمت، واقترح مباشرة ضرورة تعديل الدستور كي يتمكن الدكتور بشار من تولي الرئاسة. وتابع بأن التعديل المقترح يتطلب إبلاغ رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة لعقد جلسة طارئة لهذا الغرض. ولقد نبّهت الحاضرين بطبيعة الحال بأن التعديل يتطلب التدقيق بتاريخ ميلاد الدكتور بشار حتى لا تتبع تعديلات أخرى على الدستور. وقال رئيس الأركان بأن الجيش قد وضع في حالة استنفار. وأنه لا بد من تشكيل لجنة تتولى ترتيبات التشييع والدفن في القرداحة مسقط رأس الرئيس. واقترح أن أتولى الموضوع”.

كيف سوّغ الشرع قبوله التوريث

“من حيث المبدأ أنا لا أؤمن بالتوريث، ومن هذا المنطلق لم أساير طموحات رفعت على الرغم من عدم وجود مشاعر نفور شخصية تجاهه.

السبب الأول: هو أن ذكرى الصراع مع رفعت الأسد عام 1984 لا تزال ماثلة في ذاكرتي على الرغم من مرور ما يقارب الخمسة عشر عامًا. كانت المشكلة أن الأخ الصغير استغلّ مرض أخيه الكبير ليحشد الناس وبعض العسكر حوله ويتقلد بالقوة زمام البلاد حفاظًا على النظام. شعرت أن اختيار بشار الأسد سيكون مخرجًا آمنًا وبديلًا سلميًا من صراع دامٍ يمكن انفجاره إذا أخطأنا الاختيار لأن كل عناصره مازالت على قيد الحياة.

السبب الثاني: أن الدكتور بشار الذي تعرفت عليه منذ منتصف التسعينيات لديه رصيد شخصي وجملة مؤهلات أخرى. تأتي في مقدمتها رغبته المعلنة في الإصلاح والتحديث”.

“اقترحت بصفتي وزيرًا للخارجية تقبل التعازي على مرحلتين: المرحلة الأولى رسمية وتتم في دمشق وفي قصر الشعب. حتى يتاح الوقت الكافي لوصول من يرغب من ممثلي الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة. والمرحلة الثانية شعبية وتجري في القرداحة. إذ تتاح المشاركة بالتشييع على نطاق واسع والصلاة قبل الدفن حسب التقاليد والأعراف المتبعة”.

اقرأ أيضاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى