مذبحة العمل النقابي في سورية
مذبحة العمل النقابي في سورية
في التاسع من نيسان عام 1980، أصدر حافظ الأسد مرسوماً بحل جميع النقابات المهنية المنتخبة.
وكان ذلك التاريخ آخر عهد السوريين بالنقابات المهنية الحرة ومثّل ما يشبه مذبحة للعمل النقابي في سورية.
ولكن ما هي الظروف التي سبقت هذا القرار؟
في حزيران عام 1978، أصدرت نقابة المحامين في دمشق قرارات طالبت بالرفع الفوري لقانون الأحكام العرفية، وأدانت ممارسات التعذيب، وحذرت المحامين أنهم سيتعرضون لتدابير مسلكية من قبل النقابة إذا شاركوا في نشاطات غير قانونية بالانسجام مع السلطات.
بعد شهرين، تقدم رئيس النقابة صباح الركابي في 17 آب 1978 إلى السلطات طالباً احترام أحكام القانون وإطلاق سراح المعتقلين بلا محاكمة.
في 11 تشرين الثاني، صوّت مؤتمر المحامين العام في حلب داعماً قرارات مجلس نقابة محامي دمشق.
ومن أجل المطالبة باستقلالية القضاء، وإنهاء الأحكام العرفية وإلغاء المحاكم الخاصة، دعا المؤتمر العام للمحامين في سورية إلى عقد جلسة طارئة. وذلك في الأول من كانون الأول 1978.
وبعد فترة وجيزة من ذلك الاجتماع. تعدى أعضاء من فرق سرايا الدفاع التي يرأسها رفعت الأسد على أحد المحامين وزوجته. وأعلن محامو دمشق الإضراب ليوم واحد احتجاجاً. وقد دعمتهم في ذلك نقابات المحامين في حمص وحلب وحماة ودير الزور.
لم تكفّ نقابة محامي دمشق عن إصدار قرارات تطالب بالحقوق الديمقراطية وإنهاء الأحكام العرفية.
وفي 28 شباط 1980. أصدر المؤتمر العام لنقابة المهندسين قراراً يطالب برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين. كما طالب القرار بحرية التعبير والتجمع.
وبعد ذلك التاريخ بأيام، أعلنت نقابة محامي حلب في الثاني من آذار الإضراب لساعتين لتأكيد مطالبها بالإصلاح.
وفي ذكرى انقلاب الثامن من آذار عصفت بسورية موجة من الإضرابات والمظاهرات ضد النظام.
في اليوم التالي أصدرت النقابات المهنية في حمص مطالب مشتركة للإصلاح. وتبعت ذلك بعد يومين أصداء في حماة بإعلان نقاباتها المهنية للمطالب ذاتها.
مجزة جسر الشغور
بعد يومين فقط، حدثت مجزرة جسر الشغور في 10 آذار 1980 حيث قتل جنود القوات الخاصة ما بين 150 إلى 200 متظاهر في تلك البلدة. وقتلت في الشهر ذاته حوالي خمسين متظاهراً أيضاً في إدلب والمعرّة. وعلى إثر ذلك، دعت نقابة المحامين إلى إضراب وطني يوم 31 آذار 1980 وبادرت نقابة الأطباء ونقابة المهندسين والنقابات المهنية الأخرى لتأييدها.
النظام يصدر قراره
بعد أسبوع وفي 9 نيسان 1980 أصدر حافظ أسد مرسوماً بحل جميع النقابات المهنية “المخترقة بالرجعية” -وفق رواية النظام- والتي أصبحت تشكل خطراً على المجتمع على حد تعبيره.
وكان ذلك آخر عهد للسوريين بالعمل النقابي الحر.
ولذلك حين ارتكب النظام المجزرة الكبرى في حماة 1982 كان أكثر اطمئناناً إلى أن أحداً في الداخل لم يعد يمتلك مؤسسة مدنية أو سياسية يرفع صوته من داخلها أو عبرها ليقول للقتل والتعذيب توقف.
وأصبح مألوفاً في وسائل إعلام نظام الأسد (الأب والابن) ومؤتمراته ومهرجاناته أن تسمع اسم الرئيس مقروناً بوصف “القاضي الأول” أو “المعلم الأول” أو “الرياضي الأول“. وهو الأمر الذي أصبح مثاراً لتندر السوريين وسخريتهم، بعد أن أصبحت النقابات أبواقاً للنظام وتأليه الحاكم وميداناً للتستر على فساده وبؤرة لتجمّع المتسلقين والوصوليين.
اقرأ أيضاً
كيف بقي حافظ الأسد على رأس المؤسسة العسكرية رغم مسؤوليته عن سقوط الجولان